قبل أشهر قليلة، بدا أنّه من المستحيل أن يصل لقاح خاص بفيروس COVID-19 إلى مراحل التجربة النهائية بحلول كانون الأول / ديسمبر، لكن حالياً أصبحنا أمام أيام قليلة تفصلنا عن أولى التطعيمات ضد الفيروس التاجي، إثر موافقة وزارة الصحة الكندية على المرشح من قبل شركة BioNTech و Pfizer Inc. يوم الأربعاء.
فإذا كانت معظم اللقاحات تستغرق سنوات لتطويرها وتوزيعها، فكيف وصلنا إلى هنا بهذه السرعة؟ هل هناك ما يدعو للقلق من أن السرعة تعني الخطر؟
يفسّر الخبراء أنّ السرعة ليست نتاجاً لاختصارات متسرّعة، بل هي نتاج تعدّد المهام، وجهود عالمية منسّقة وثمار بحث سابق، حيث أكد عالِم الأحياء بجامعة تورنتو كيري بومان: “إنّ فهم هذا الأمر هو مسألة تتعلق بالصحة العامة”، حيث ساعده عمله في مجال الأمراض الحيوانية المنشأ، الناشئة في البحث وأعمال الرعاية الصحية أثناء تفشي الإيبولا والسارس.
لم نبدأ من الصفر
وقال: “الجمهور الكندي يفترض أن كل هذا حدث بسرعة قياسية، لكن هذا ليس صحيحاَ، لم نبدأ من أرض صفر، فإنّ فيروس SARS-CoV-2 الذي يسبب مرض COVID-19 ليس أوّل فيروس كورونا. تم التعرف على فيروسات كورونا البشرية لأول مرة منذ أكثر من 50 عاماً باستخدام HCoV-229E ، الذي يصيب البشر والخفافيش. اكتشف العلماء منذ ذلك الحين خمسة آخرين، بما في ذلكMERS-CoV ، الذي يسبب متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وSARS-CoV، وهي السلالة الأولى من أنواع فيروس كورونا السارس التي أدت إلى الوباء الحالي لـ COVID-19، يعني الأساس لم يكن من أجل لا شيء”.
وأضاف: “نظراً إلى أننا سبق وعانينا من هذا النمط من الأمراض المعدية الناشئة … فقد شارك العديد من الأشخاص الجيدين في هذا الأمر وطوّروا منصة بحث كانت حقًا مفيدة للغاية عندما ضربت الجائحة. لم يكونوا في الحقيقة يبدأون من نقطة الصفر على الإطلاق. لقد بنينا حقاً على الدروس السابقة بشكل هائل ، والآن سنجني فوائد ذلك قريباً”.
ولفت إلى أنّه “بعد تفشي COVID-19 في الصين، تمكن العلماء هناك بسرعة من إنتاج الشفرة الجينية لفيروس كورونا الجديد، ومشاركتها مع المجتمع العالمي في 11 كانون الثاني / يناير الماضي، قبل تفشي المرض في العديد من البلدان الأخرى. وعلى الرغم من الإجراءات السريعة للمجتمع العلمي، استمر الوباء في مسار قاتم، وهو ما يُشير إلى الفشل الاجتماعي والسياسي، وليس الأكاديمي والعلمي، حيث كانت حكوماتنا بطيئة للغاية في الاستجابة لمثل هذا التهديد الهائل”.
وبينما سخّرت المختبرات بسرعة الشفرة الجينية الجديدة، تم بالفعل تطوير تقنيات أخرى في سنوات سابقة لأمراض أخرى، لا سيما تكنولوجيا لقاح RNA messenger ، التي تعدل الجين المسؤول عن صنع بروتين الفيروس التاجي وربط الفيروس بالخلايا في الجسم، وبالتالي إنتاج استجابة مناعية، ولقاح Pfizer المعتمد حديثًا هو أحد هذه اللقاحات.
تعدد المهام والتعاون
وأوضح بومان أنّ “تطوير اللقاح وإنتاجه يتطلّب الكثير من الأموال من الشراكات بين شركات الأدوية، والتي لم تكن أبداً عملية سريعة كهذه، حيث توفر الموارد اللازمة لتكثيف التطوير. وفي العادة، يتأخّر التمويل والشراكات مع هذه الأنواع من الأشياء. شراكات الطوارئ العالمية حدثت بسرعة كبيرة”.
وبيّن أنّه “بدلاً من الانتظار حتى يتم الانتهاء من خطوة واحدة، قاموا بالكثير من الأشياء بالتوازي، فقط إذا كانت آمنة ومنطقية علمياً”.
وعادة، ترسل شركات الأدوية مجموعات بيانات مكتملة بالكامل إلى Health Canada للموافقة عليها، ويخضع تحليل تلك البيانات للحظر، لكن بدلاً من ذلك، حدث العكس على حد قول خبير الأمراض المعدية والأستاذ المساعد في جامعة ماكماستر زين شاغلا، الذي لفت إلى أنّ “هذه حالة طوارئ عالمية تؤدي إلى إغلاق المجتمع، وبالتالي الكشف عن النتائج مهم جداً، وقد يقلل بعض العبء عن مجتمعاتنا”.
وكان العنصر الآخر الذي قدّم دفعة للقاحات هو الموجة الثانية من عدوى COVID-19، فرغم أنها كانت مدمّرة، نتيجة تضاعفت الإصابات في جميع أنحاء العالم ثلاث مرات منذ أواخر آب / أغسطس، إلا أنّ الزيادة تعني أن التجارب السريرية وصلت إلى علامات مهمة في وقت أبكر مما كان متوقّعاً، مما يوفر بيانات أكثر قوة.
وفيما لا يزال الوباء بعيداً عن نهايته، مع أكثر من 2400 حالة وفاة في الشهر الماضي و6000 إصابة جديدة يومياً في جميع أنحاء البلاد. يقول الخبراء إن السبب الإضافي الذي يجعل الكنديين يجب أن يثقوا في أن لقاحات COVID-19 التي يحتمل أن تنهي الوباء والتي بدأت في الانتشار لم يتم تصنيعها بشكل سريع وعشوائي .